قوانين الاندماج والاستحواذ في مصر: نظرة شاملة
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر تطورا كبيرا في قوانين الاندماج والاستحواذ، حيث تم تعديل العديد من التشريعات لتواكب التغيرات الاقتصادية والمالية في العالم.
هذه التعديلات تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال في مصر، وجعلها أكثر جذبا للاستثمار المحلي والدولي. في هذا المقال، سنعرض لك تفاصيل كاملة عن النظام القانوني المصري للاندماج والاستحواذ، ونستعرض التعديلات الأخيرة التي طرأت على هذه القوانين، بالإضافة إلى أهم المتطلبات والإجراءات التي يجب على الشركات الالتزام بها لضمان نجاح عمليات الدمج والأستحواذ.
الإطار القانوني والتشريعات الحاكمة
مصر تتمتع بإطار قانوني متكامل لتنظيم عمليات الاندماج والاستحواذ، ويشمل هذا الإطار العديد من التشريعات التي تغطي جوانب مختلفة من المعاملات. الهدف من هذا التنوع في التشريعات هو ضمان تنظيم السوق وتوفير حماية للمنافسة والاقتصاد بشكل عام.
التشريعات الرئيسية
أهم التشريعات التي تحكم الاندماج والاستحواذ في مصر هي:
- قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981: هذا القانون هو الأساس الذي يستند إليه تنظيم أنشطة الاندماج والاستحواذ في الشركات المصرية. يتناول القانون كيفية تنظيم الشركات من حيث الهيكل والحوكمة وكيفية التعامل مع مختلف العمليات التجارية. تم تعديل هذا القانون عدة مرات لضمان مواكبته للتطورات الاقتصادية الحديثة.
- قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992: ينظم هذا القانون عمليات الاندماج والاستحواذ في الشركات المدرجة بالبورصة. كما يحدد اللوائح والإجراءات الخاصة بالعروض العامة والشفافية في هذه المعاملات. هذا القانون يعزز من حماية المستثمرين في البورصة المصرية.
- قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005: هذا القانون يحدد القواعد الخاصة بالمنافسة في السوق المصري. يهدف إلى منع أي ممارسات احتكارية قد تضر بالمنافسة وتعوق الابتكار والنمو الاقتصادي. تم تعديل هذا القانون عدة مرات، لتحديث معايير مراقبة الاندماجات وضمان عدم حدوث تأثيرات سلبية على الأسواق.
التطورات التشريعية الأخيرة
في إطار جهود الحكومة المصرية لتطوير النظام القانوني للاندماج والاستحواذ، تم إجراء تعديلات مهمة على التشريعات في السنوات الأخيرة:
- في ديسمبر 2022، تم تعديل قانون المنافسة عبر إصدار قانون رقم 175 لسنة 2022، الذي قدم نظامًا جديدًا للموافقة المبدئية المعلقة على الاندماجات. كان هذا التعديل خطوة كبيرة نحو تنظيم أفضل لعمليات الاندماج، حيث انتقل النظام من الإخطار بعد تنفيذ المعاملات إلى ضرورة الحصول على الموافقة قبل تنفيذها.
- في أبريل 2024، أصدر رئيس الوزراء المصري القرار رقم 1120 لسنة 2024، الذي تضمن تعديلات شاملة على اللائحة التنفيذية لقانون المنافسة. التعديلات الجديدة قدمت مزيدًا من التفاصيل حول كيفية تطبيق النظام الجديد لمراقبة الاندماج والذي دخل حيز التنفيذ في 1 يونيو 2024.
النظام الجديد لمراقبة الاندماج
من أبرز التعديلات التي طرأت على القوانين المصرية في هذا المجال هو النظام الجديد لمراقبة الاندماج. هذا النظام يفرض شروطا جديدة على الشركات التي تقوم بعمليات اندماج واستحواذ، حيث أصبح من الضروري الحصول على الموافقة قبل إتمام المعاملات المؤهلة.
تعريف التركيز الاقتصادي
بموجب النظام الجديد، يُعرف التركيز الاقتصادي بأنه أي تغيير في السيطرة أو التأثير على كيان اقتصادي نتيجة لعدة عوامل، مثل:
- المعاملات الأندماجية، سواء عن طريق الاندماج أو التوحيد.
- المعاملات الاستحواذية، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، فردية أو جماعية، مثل شراء الأسهم أو الأصول.
- إنشاء مشروع مشترك كامل الوظائف لمزاولة الأعمال بشكل مستقل ودائم.
الهدف من هذا التعريف هو وضع إطار واضح لكيفية مراقبة التغييرات التي قد تؤثر في المنافسة في السوق.
مراحل الإخطار
أصبح من الضروري أن يتم إخطار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في حال تجاوزت الأطراف في التركيز الاقتصادي أحد المراحل التالية:
- المرحلة المحلية: إذا تجاوز إجمالي حجم مبيعات أو أصول جميع الأطراف في مصر 900 مليون جنيه مصري، وحقق مبيعات أو أصول اثنين من الأطراف على الأقل أكثر من 200 مليون جنيه مصري في مصر.
- المرجلة العالمية: إذا تجاوز إجمالي حجم مبيعات الأطراف عالميًا 7.5 مليار جنيه مصري، وحقق مبيعات أحد الأطراف على الأقل أكثر من 200 مليون جنيه مصري في مصر.
الجدول الزمني للتنفيذ
النظام الجديد لمراقبة الاندماج والذي دخل حيز التنفيذ في 1 يونيو 2024. من المهم أن تدرك الشركات أن أي معاملة تتجاوز هذه العتبات ولن يتم إغلاقها قبل هذا التاريخ، ستحتاج إلى الموافقة قبل تنفيذ المعاملة.
أنواع الاندماج والاستحواذ
تعترف القوانين المصرية بأنواع مختلفة من الاندماج والاستحواذ، والتي تشمل:
هياكل الاندماج
تُميز القوانين بين نوعين من الاندماج:
- الاندماج عن طريق التوحيد: في هذا النوع، يتم دمج كيانين أو أكثر في كيان واحد موجود، ويحتفظ الكيان الموجود بشخصيته القانونية.
- الاندماج عن طريق الأحتواء: في هذا النوع، يتم دمج كيانين أو أكثر لتشكيل كيان جديد، ويؤدي ذلك عادة إلى إنهاء الكيانات الأصلية.
هياكل الاستحواذ
تتنوع طرق الاستحواذ في مصر، وتشمل:
- استحواذ الأسهم: هو الشكل الأكثر شيوعًا في مصر، حيث يقوم المشتري بشراء أسهم من الشركة المستهدفة.
- استحواذ الأصول: في هذا النوع، لا يتم شراء الأسهم، بل يتم شراء أصول معينة من الشركة.
- مقايضة الأسهم: حيث يتم تبادل الأسهم بين الشركات المحلية، وعادة ما يتم ذلك في المعاملات التي تشمل الشركات المدرجة.
الاستحواذات على الشركات العامة
تخضع الاستحواذات التي تتم على الشركات المدرجة في البورصة المصرية لضوابط خاصة بموجب قانون سوق المال.
متطلبات العروض العامة
في مصر، تتم عمليات الاستحواذ على الشركات العامة من خلال عروض عامة، وتنقسم هذه العروض إلى نوعين:
- العروض الطوعية: حيث يمكن للمُزايد تقديم العرض الطوعي بشرط الحصول على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية.
- العروض الإجبارية: إذا كان المشتري يهدف إلى الاستحواذ على 1/3 أو أكثر من أسهم الشركة المستهدفة، يجب عليه تقديم عرض إجمالي على 100% من الأسهم العادية.
العتبات والمتطلبات للاستحواذ
إذا كانت عملية الاستحواذ تشمل أقل من 1/3 من الأسهم أو حقوق التصويت في الشركة، يمكن تنفيذ المعاملة عبر:
- شراء الأسهم من السوق المفتوحة.
- تقديم عرض عام للاستحواذ على نسبة الأسهم المستهدفة.
الهيكلة القانونية والسلطات التنظيمية في مصر
من أهم العوامل التي ساعدت في تحسين بيئة الأعمال في مصر هي السلطة التنظيمية التي تشرف على عمليات الاندماج والاستحواذ، حيث تعمل هذه السلطات على ضمان الشفافية في المعاملات وحماية حقوق الشركات والمستثمرين.
جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية (ECA)
جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في مصر تعتبر من أبرز الجهات التي تشرف على تنظيم عمليات الاندماج والاستحواذ. ويهدف الجهاز إلى ضمان الحفاظ على المنافسة العادلة في السوق المصري، ووقف أي ممارسات احتكارية قد تضر بالشركات أو تؤثر على السوق بشكل عام. الهيئة تقوم بتقييم جميع الصفقات التي قد تؤثر على هيكل السوق المصري وتؤثر على قدرة الشركات المنافسة على التوسع والنمو. في حال كانت الصفقة ستؤدي إلى احتكار السوق أو تقليل المنافسة، يمكن للجهاز أن ترفض المعاملة أو تقترح شروطا تعديلية لضمان الحفاظ على المنافسة.
الهيئة العامة للرقابة المالية (FRA)
الهيئة العامة للرقابة المالية تعتبر جهة تنظيمية مهمة جدا في مصر، خاصة في القطاعات غير المصرفية مثل التأمين والبورصات. في عمليات الاندماج والاستحواذ التي تتعلق بشركات مدرجة في البورصة، فإن الهيئة تشرف على سير المعاملات بشكل دقيق لضمان عدم وجود أي انتهاكات مالية أو قانونية. كما أنها تتحقق من تنفيذ العروض العامة والإجراءات المرتبطة بها، وتلعب دورا أساسيا في مراقبة عملية تنفيذ الصفقات الكبرى التي تؤثر على الأسواق المالية.
الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة (GAFI)
الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الإجراءات الخاصة بالاندماج والاستحواذ في الشركات التي تعمل داخل المناطق الحرة أو المناطق الاستثمارية. وهي مسؤولة عن تسهيل الإجراءات التي تتم داخل هذه المناطق، وضمان أن تكون العمليات متوافقة مع القوانين المصرية. تسعى الهيئة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية عن طريق تبسيط الإجراءات وتوفير بيئة قانونية تشجع على الاستثمار.
المتطلبات الإجرائية لعمليات الاندماج والاستحواذ
تتطلب عمليات الاندماج والاستحواذ في مصر تنفيذ مجموعة من الإجراءات القانونية لضمان قانونية المعاملات وحمايتها من أي طعون قانونية قد تطرأ في المستقبل. هذه الإجراءات تتراوح بين الحصول على موافقات من الهيئات التنظيمية إلى تقديم مستندات وأوراق تفصيلية تتعلق بالصفقة.
متطلبات الموافقة
في مصر، يجب على الشركات التي تخطط للاندماج أو الاستحواذ الحصول على موافقة من الجمعية العامة الاستثنائية لكل الشركات المعنية. هذا يعني أنه يجب على جميع المساهمين في الشركات المندمجة أو المستحوذة التصويت بالموافقة على الصفقة. في الغالب، يتطلب قانون الشركات تصويت 75% من المساهمين على الأقل للموافقة على عملية الاندماج، وإذا كان الاندماج سيؤدي إلى زيادة مسؤولية المساهمين، فيجب الحصول على موافقة بالإجماع.
متطلبات الإخطار والتقديم
تحت النظام الجديد لمراقبة الاندماج، يتعين على الأطراف المعنية إخطار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في حالة وجود أي صفقة تتجاوز العتبات المحددة. يجب أن يتضمن هذا الإخطار تفاصيل شاملة عن المعاملة وأثرها المحتمل على المنافسة في السوق. على سبيل المثال، في حالة الاندماجات التي تشمل شركات محلية أو دولية ذات تأثيرات كبيرة على السوق، يجب على الأطراف تقديم كل المستندات الضرورية قبل إتمام المعاملة.
بالنسبة للمعاملات التي لا تدخل ضمن نطاق مراقبة الاندماج، يجب على الأطراف الالتزام بإخطار الجهات المعنية مثل الهيئة العامة للاستثمار و الهيئة العامة للرقابة المالية وفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها.
الاستحواذات الدولية في مصر
الاندماج والاستحواذ لا يقتصران فقط على الشركات المحلية، بل يمتد تأثير هذه العمليات إلى الشركات الأجنبية أيضا.
متطلبات الإخطار المحلية ومراحل الإخطار
من الضروري أن يكون هناك صلة محلية لعمليات الاندماج بين الشركات الأجنبية، وهذا يعني أنه يجب على الأقل أن تحقق إحدى الأطراف مبيعات سنوية في مصر تزيد عن 200 مليون جنيه مصري. في حالة تجاوز هذه العتبة، يصبح من الضروري إخطار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية للحصول على الموافقة قبل إتمام المعاملة.
لا توجد آلية عامة للسيطرة على الاستثمار الأجنبي
فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، مصر لا تفرض آلية عامة للسيطرة على الاستثمارات الأجنبية في عمليات الاندماج والاستحواذ. مع ذلك، بعض القطاعات الحيوية مثل: البنوك، التأمين، الاتصالات، والدفاع تتطلب موافقات خاصة قبل تنفيذ عمليات الاندماج. على سبيل المثال، يتم تنظيم عمليات الاندماج في القطاع المصرفي من قبل البنك المركزي المصري بدلاً من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. هذا يسمح بتقنين التوسع في القطاعات الحساسة وضمان استقرارها المالي.
الموافقات التنظيمية والشكليات المؤسسية
بالإضافة إلى الموافقة من الجمعية العامة الاستثنائية للشركات المعنية، يجب أن تكون هناك موافقات أخرى من الهيئات التنظيمية مثل الهيئة العامة للاستثمار و الهيئة العامة للرقابة المالية إذا كانت المعاملة تتعلق بالشركات المدرجة أو بها تأثير كبير على السوق. كما أن الشركات الأجنبية مطالبة بتقديم مستندات تفصيلية مثل تقييم الأصول وعقود الاندماج للحرص علي توافقها مع القوانين المصرية.
التوثيق والإفصاح
يتعين على الشركات الأجنبية تقديم مستندات تفصيلية تشمل تقييم الأصول وعقود الاندماج والمحاضر، بالإضافة إلى إفصاحات أخرى وفقا لقانون الشركات.
في حالة وجود عمليات كبيرة أو حساسة، قد تتطلب المعاملات فحصا إضافيا لضمان توافر كافة الشروط القانونية.
العقوبات بسبب عدم الامتثال
من المهم أن الشركات المندمجة أو المستحوذة تلتزم بجميع اللوائح المعمول بها. في حال تم تنفيذ عملية اندماج أو استحواذ دون إخطار جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية أو الحصول على الموافقة اللازمة، فإن الشركات قد تتعرض لفرض غرامات مالية تتراوح من 1% إلى 10% من إجمالي إيرادات المعاملة.
مستقبل الاندماج والاستحواذ في مصر
مستقبل الاندماج والاستحواذ في مصر مشرق جدا، خاصة مع التعديلات القانونية الجديدة التي تهدف إلى جعل العمليات أكثر شفافية وكفاءة. التطور المستمر في التشريعات والمراقبة القانونية يُعد مؤشرًا إيجابيًا لمستقبل الاستثمارات في مصر.
من الواضح أن الحكومة المصرية تسعى لجعل السوق المصري أكثر جذبا للاستثمار الأجنبي والمحلي من خلال تحسين البيئة القانونية وإزالة أي عوائق قد تعيق نمو الشركات. لذلك، الشركات التي تخطط لإجراء عمليات اندماج أو استحواذ يجب أن تكون على دراية بالتعديلات الأخيرة وتعمل على ضمان الامتثال الكامل للوائح والقوانين الجديدة.
فهم الإطار القانوني للاندماج والاستحواذ في مصر مهم
لإزالة أي عوائق قد تعيق نمو الشركات في المستقبل